responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 145
أَصْلًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْكُفْرَ يُحْبِطُ خَيْرَهُ وَلَا يَنْفَعُهُ، إِنَّمَا يَسْتَحِيلُ نَظَرًا إِلَى الْعَادَةِ أَنْ يُوجَدَ كَافِرٌ لَا يَسْقِي الْعَطْشَانَ شَرْبَةَ مَاءٍ وَلَا يُطْعِمُ الْجَائِعَ لُقْمَةَ خُبْزٍ وَلَا يَذْكُرُ رَبَّهُ فِي عُمُرِهِ، وَكَيْفَ لَا وَهُوَ فِي زَمَنِ صِبَاهُ كَانَ مَخْلُوقًا عَلَى الْفِطْرَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْخَيْرَاتِ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ قَالُوا: لَوْلَا الشَّرُّ فِي هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَتْ مَخْلُوقَاتُ اللَّهِ تَعَالَى مُنْحَصِرَةً فِي الْخَيْرِ الْمَحْضِ وَلَا يَكُونُ قَدْ خَلَقَ الْقِسْمَ الَّذِي فِيهِ الْخَيْرُ الْغَالِبُ وَالشَّرُّ الْقَلِيلُ ثُمَّ إِنَّ تَرْكَ خَلْقِ هَذَا الْقِسْمِ إِنْ كَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرِّ فَتَرْكُ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ لِأَجْلِ الشَّرِّ الْقَلِيلِ لَا يُنَاسِبُ الْحِكْمَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّاجِرَ إِذَا طُلِبَ مِنْهُ دِرْهَمٌ بِدِينَارٍ، فَلَوِ امْتَنَعَ وَقَالَ فِي هَذَا شَرٌّ وَهُوَ زَوَالُ الدِّرْهَمِ عَنْ مِلْكِي فَيُقَالُ لَهُ لَكِنَّ فِي مُقَابَلَتِهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَهُوَ حُصُولُ الدِّينَارِ فِي مِلْكِكَ وَكَذَلِكَ/ الْإِنْسَانُ لَوْ تَرَكَ الْحَرَكَةَ الْيَسِيرَةَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ رَاحَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ يُنْسَبُ إِلَى مُخَالَفَةِ الْحِكْمَةِ فَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْحِكْمَةِ كَانَ وُقُوعُ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الْمَشُوبِ بِالشَّرِّ الْقَلِيلِ مِنَ اللُّطْفِ فَخَلَقَ الْعَالَمَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الشَّرُّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [الْبَقَرَةِ: 30] فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَوَابِهِمْ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَةِ: 30] أَيْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ يُنَاسِبُ الْحِكْمَةَ لِأَنَّ الْخَيْرَ فِيهِ كَثِيرٌ، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ خَيْرَهُ بِالتَّعْلِيمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [الْبَقَرَةِ: 31] يَعْنِي أَيُّهَا الْمَلَائِكَةُ خَلْقُ الشَّرِّ الْمَحْضِ وَالشَّرِّ الْغَالِبِ وَالشَّرِّ الْمُسَاوِي لَا يُنَاسِبُ الْحِكْمَةَ. وَأَمَّا الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الْمَشُوبُ بِالشَّرِّ الْقَلِيلِ مُنَاسِبٌ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها إِشَارَةٌ إِلَى الشَّرِّ، وَأَجَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ بِقَوْلِهِ:
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى تَخْلِيصِ هَذَا الْقِسْمِ مِنَ الشَّرِّ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ فِيهِ شَرٌّ فَيُقَالُ لَهُ مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها يَعْنِي لَوْ شِئْنَا لَخَلَّصْنَا الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، لَكِنَّ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ الْمَشُوبَ بِالشَّرِّ الْقَلِيلِ وَهُوَ قِسْمٌ مَعْقُولٌ، فَمَا كَانَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلشَّرِّ الْقَلِيلِ وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ الْحِكْمَةَ، لِأَنَّ تَرْكَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ لِلشَّرِّ الْقَلِيلِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلْحِكْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا كَذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مَنْ خَلْقِهِ فَيَخْلُقُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ، وَهَذَا الْكَلَامُ يُعَبِّرُ عَنْهُ مَنْ يَقُولُ بِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ إِنَّ الْخَيْرَ فِي الْقَضَاءِ وَالشَّرَّ فِي الْقَدَرِ، فَاللَّهُ قَضَى بِالْخَيْرِ وَوَقَعَ الشَّرُّ فِي الْقَدَرِ بِفِعْلِهِ الْمُنَزَّهِ عَنِ الْقُبْحِ وَالْجَهْلِ، وَقَوْلُهُ: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِإِبْلِيسَ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ [ص: 85] وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّارَ لِمَنْ فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ، وَالَّذِينَ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ مُبَرَّءُونَ عَنْ دُخُولِ النَّارِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ: أَجْمَعِينَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَالًا، أَيْ مَجْمُوعِينَ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَعَلَ جَمِيعَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مِمَّا يَمْلَأُ بِهِمُ النَّارَ؟ نَقُولُ هَذَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَيْ جَهَنَّمُ تُمْلَأُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَا غَيْرَ أَمْنًا لِلْمَلَائِكَةِ، وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ دُخُولُ الْكُلِّ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ مَلَأْتُ الْكِيسَ مِنَ الدَّرَاهِمِ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَبْقَى دِرْهَمٌ خَارِجَ الْكِيسِ، فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ جَهَنَّمُ ضَيِّقَةً تَمْتَلِئُ بِبَعْضِ الْخَلْقِ نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْوَاسِعُ الْجَنَّةُ الَّتِي هِيَ مِنَ الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا أَنَّهُمْ لَا رُجُوعَ لَهُمْ قَالَ لَهُمْ إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ لَا رُجُوعَ لكم.

[سورة السجده (32) : آية 14]
فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 145
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست